جستن تطلق ثورة رقمية في البحث العلمي: مبادرة للتحول الرقمي ومستشعر النشر الذكي
في خطوة رائدة تعكس التوجه الوطني نحو التحول الرقمي وبناء مجتمع المعرفة، أطلقت الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية "جستن" مبادرة طموحة للتحول الرقمي ومستشعر النشر الذكي، وذلك خلال حفل جائزة جستن للتميز في دورتها الرابعة. وسحورها الثالث هذه المبادرة النوعية تمثل خطوة متقدمة نحو عصر جديد من البحث العلمي المعزز بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتأتي متسقة مع رؤية المملكة 2030 الرامية إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
لم يعد الحديث عن الذكاء الاصطناعي ترفاً فكرياً أو حلماً مستقبلياً، بل أصبح واقعاً يفرض نفسه في مختلف مجالات الحياة. وها هي جمعية جستن تقتحم هذا المجال بمبادرة طموحة تهدف إلى توظيف أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة البحث العلمي ونشره.
تتكون المبادرة من محورين رئيسيين: الأول هو "عالم جستن الرقمي"، وهو منظومة متكاملة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي تغطي جميع مكونات ومرافق الجمعية. أما المحور الثاني فهو "مستشعر النشر الذكي"، وهو نظام متطور يربط بين الباحثين والمجلات العلمية، ويقدم مجموعة متنوعة من الخدمات الذكية التي تسهم في تحسين جودة الأبحاث وتسهيل نشرها.
ذكر الاستاذ الدكتور فايز الفايز رئيس مجلس إدارة
الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية: "إن هذه المبادرة تمثل نقلة نوعية في عمل الجمعية، وتعكس التزامنا بمواكبة التطورات العالمية في مجال البحث والنشر العلمي. نسعى من خلالها إلى بناء منظومة رقمية متكاملة تسهم في تحسين جودة المخرجات البحثية وتعزيز مكانة المملكة في المشهد العلمي العالمي. كما نطمح إلى أن نكون روادا في مجال توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة البحث العلمي. هدفنا هو تحويل الجمعية إلى منصة عالمية للمعرفة والإبداع في مجالي التربية وعلم النفس."
ما يميز هذه المبادرة أنها تجمع بين التقنية المتطورة والمعرفة العلمية الرصينة. فالهدف ليس مجرد إدخال التقنية في العمل الإداري والتنظيمي للجمعية، بل توظيفها بطريقة ذكية تسهم في تعزيز جودة البحث العلمي وتطوير آليات النشر.
المنصة الرقمية الموحدة التي ستطورها الجمعية ستكون بمثابة بوابة تفاعلية تجمع الباحثين والأكاديميين، وتوفر لهم فضاء معرفياً يسهل عليهم الوصول إلى المعلومات والخدمات. كما ستربط المجلات العلمية التابعة للجمعية (المجلة التربوية، المجلة النفسية، مجلة آفاق) بنظام ذكي موحد يسهم في أتمتة إجراءات النشر ومتابعة حالة الأبحاث المقدمة.
أما "مستشعر النشر الذكي" فيمثل ابتكاراً فريداً يهدف إلى تجسير الفجوة بين الباحثين والمجلات العلمية. سيقدم هذا النظام خدمات متنوعة للباحثين، منها تقييم جودة الأبحاث العلمية، واقتراح المجلات المناسبة لنشر البحث، وتقديم إرشادات لتحسين البحث وزيادة فرص قبوله. كما سيقدم خدمات للمجلات تشمل تحليل الأبحاث المقدمة، وكشف الانتحال العلمي، وإدارة عملية التحكيم بطريقة ذكية.
تأتي هذه المبادرة متسقة مع رؤية المملكة 2030 التي تؤكد على أهمية التحول الرقمي وبناء اقتصاد معرفي قائم على الإبداع والابتكار. فمن خلال توظيف التقنيات الحديثة في مجال البحث العلمي، تسهم الجمعية في تحقيق أهداف الرؤية المتعلقة بتعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي وعالمي للمعرفة والابتكار.
وتتجاوز أهداف المبادرة الحدود المحلية لتصل إلى العالمية، حيث تسعى إلى رفع تصنيف مجلات الجمعية على المستوى العالمي من خلال ربط منظومة النشر العلمي بقواعد البيانات العالمية مثل ISI وScopus. هذا الربط سيسهم في زيادة انتشار الأبحاث المنشورة في هذه المجلات، وبالتالي تعزيز تأثيرها في المشهد العلمي العالمي.
على الرغم من الطموحات الكبيرة التي تحملها هذه المبادرة، إلا أن تنفيذها يواجه عدة تحديات، أبرزها توفير الموارد البشرية والتقنية اللازمة. فالمبادرة تحتاج إلى فريق متعدد التخصصات يضم متخصصين في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات وتطوير الويب والتطبيقات، بالإضافة إلى أكاديميين ومتخصصين في مجالات النشر العلمي والتصنيف الأكاديمي.
كما تحتاج إلى بنية تحتية تقنية متطورة تمكنها من تنفيذ المشروع بكفاءة وفعالية. وهذا يتطلب دعماً مالياً وتقنياً من الجهات المعنية، وتعاوناً مع المؤسسات العلمية والبحثية المحلية والعالمية.
ومع ذلك، فإن الآفاق المستقبلية للمبادرة تبدو واعدة. فمن المتوقع أن تسهم في تحسين تصنيف مجلات الجمعية محلياً وعالمياً، وزيادة كفاءة العمليات الداخلية للجمعية، ورفع جودة الأبحاث المنشورة. كما ستعزز التعاون البحثي بين الباحثين المنتمين للجمعية، وتدعم ريادتها في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة البحث العلمي.
حددت الجمعية خطة تنفيذية واضحة للمبادرة تتكون من ثلاث مراحل رئيسية. المرحلة الأولى تتضمن تطوير "عالم جستن الرقمي" والبنية التحتية الأساسية، تليها المرحلة الثانية التي تركز على تطوير "مستشعر النشر الذكي" وربطه بمجلات الجمعية. أما المرحلة الثالثة فتتضمن التكامل مع قواعد البيانات العالمية وتوسيع نطاق الخدمات.
هذه الخطوات المدروسة تعكس رؤية استراتيجية واضحة للجمعية، وإدراكاً عميقاً لأهمية التدرج في تنفيذ المشاريع الكبرى. كما تعكس التزاماً بتحقيق النتائج المرجوة والتأكد من استدامتها.
وفي الختام، يمكن القول إن مبادرة جستن للتحول الرقمي ومستشعر النشر الذكي تمثل خطوة جريئة نحو مستقبل البحث العلمي في المملكة. إنها ليست مجرد مشروع تقني، بل رؤية متكاملة تجمع بين التقنية والمعرفة لبناء منظومة علمية متطورة تواكب العصر وتسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030. وبهذه الخطوات الواثقة، تثبت المملكة مرة أخرى قدرتها على مواكبة التطورات العالمية والمساهمة في صناعة المستقبل.
