أنت هنا

صدرت عن الهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته، المنبثقة عن رابطة العالم الإسلامي، بالتعاون مع كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية ودراساتها المعاصرة في جامعة الملك سعود بالرياض، أحدث دراسة في التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم ونصرته بعنوان «الرسول الأعظم في مرآة الغرب» للدكتور عبد الراضي محمد عبد المحسن أستاذ الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان المشارك في جامعة القاهرة. وهي دراسة علمية تحلق عاليا في آفاق الجدة والأصالة، وتعكس مدى دقة معايير الهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته، وكذلك كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية ودراساتها المعاصرة، في اختيار الأعمال والبحوث والدراسات والجهود التي تتبناها. فكما يقول الدكتور عادل بن علي الشدي، الأمين العام للهيئة والمشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية ودراساتها المعاصرة، إن اختيار هذه الدراسة كان للقناعة التامة بما يملكه صاحبها الدكتور عبد الراضي محمد عبد المحسن أستاذ الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان المشارك في جامعة القاهرة من خبرة وإحاطة وتأهيل للقيام بهذه الدراسات العلمية التي تتطلب الجد والدأب والتدقيق إلى جانب الاختصاص والمعرفة الواسعة بالفكر الغربي ولغاته الأوروبية المتعددة، وذلك ما توافر للباحث، مع ما تحلى به من منهجية علمية وتناول موضوعي وتوثيق تام، مما يؤمل معه أن تجد هذه الدراسة مكانتها اللائقة بها في المكتبة العالمية، لا سيما بعد ترجمتها إلى اللغات الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والألمانية، ضمن جهود الهيئة والكرسي خلال السنتين المقبلتين.

وتعد هذه الدراسة إسهاما في مسيرة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وممارسة علمية للتواصل الحضاري بين الأمم والشعوب على قاعدة التعارف لا التناكر والتعاون لا التنافر. فهي تبرهن على عدم قدرة الأفكار المغلوطة والآراء الانفعالية على تغييب العقول الحرة والضمائر الحية عن دورها في إنصاف كبار الشخصيات التي أسهمت بحظ وافر في تاريخ البشرية والرسالات السماوية وفي مقدمتها الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال رصد سلسلة طويلة من أبناء الغرب تمثل أساطين النخب الأدبية والفكرية والعلمية والدينية قد أخذت على عاتقها إنصاف النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإحلاله محله اللائق به في تاريخ الإنسانية الديني، مع محاولة مشكورة لتصحيح الصورة المغلوطة لنبي الإسلام التي نشرها مثيرو الدهماء وسماسرة الحروب، والمتاجرون بصدام الحضارات.

فهذه الشهادات المنصفة قد جاءت وليدة البحث الحر غير الموجه، وهي جزء من المنظومة الغربية لأنها ولدت من رحم فكر الغرب وثقافته وبلغته ومنطقه، مما لا يقدر عاقل على رده، كما أنها صادرة عن قمم غربية مرموقة على مدار تاريخ الحضارة الغربية في الفلسفة، والأدب، والفكر، والعلوم التجريبية، واللاهوت، وتاريخ الأديان. وهذه القمم ليست صفحة من الماضي الغربي، بل هي ممتدة حتى يومنا هذا، فإذا كان جوته، وفولتير، وكارليل، ولوبون، وزيغريد هونكه من الموتى، فإن مونتغمري وات، وهانز كينغ، وكارين أرمسترونغ، وكارل إرنست، ممن يملأون السمع والبصر الآن.

ولا تقتصر أهمية المواقف الغربية والشهادات المنصفة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم التي رصدها كتاب «الرسول الأعظم في مرآة الغرب» على ما لها من قيمة علمية ومعرفية، بل تتجاوز ذلك إلى شموليتها، فقد جاء نتاج المنصفين من أبناء الغرب ثلاثي الأبعاد في محاور ثلاثة تضمنتها مباحث الكتاب الثلاثة..

فالمبحث الأول: «الرسول الأعظم بين الإسلام والغرب»، قد تناول إقرار المنصفين الغربيين له بالعظمة مع بيان جوانب تلك العظمة، ومعاييرها، وأسباب استحقاقه صلى الله عليه وسلم لها.

والمبحث الثاني: «شمائل الرسول الأعظم»، يرصد المناقب والشمائل التي أثبتها المنصفون الغربيون للرسول صلى الله عليه وسلم.

والمبحث الثالث: «تصحيح المفاهيم المغلوطة المثارة حول نبي الإسلام في الغرب»، يتتبع جهود المنصفين في نقد المخطئين الذين رسموا صورة شائهة لرسول الإسلام ذات مفردات بغيضة ومغلوطة.

وينفرد الكتاب بهذا المبحث الثالث، إذ لم يلتفت من صنفوا في هذا المجال من قبل إلا إلى مجرد رصد الشهادات الإيجابية في حق رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، من دون الاهتمام بتصحيح الصورة المغلوطة والمفاهيم الخاطئة المثارة حوله صلى الله عليه وسلم بوصفها المدخل الرئيس والعملي والفعال لأي جهود تصالح أو تقارب حضاري بين الشرق والغرب إعمالا لمبدأ التخلية قبل التحلية، أي إزاحة المعوّقات والشوائب والمنغصات قبل تقديم المشهيات والمرغبات.

وقد ألزم المؤلف نفسه والتزم في الكتاب بإيراد شبهات المنصفين الغربيين لنصوصها الواردة بها في لغاتها الأوروبية، وذلك كي تسلم الحجة، ويستقيم الاستدلال، ويتم البرهان فيسهل الإقناع والاقتناع في إطار الخطاب والحوار الحضاري والديني مع الغرب.