You are here

 

تقرير/ سامي الأثوري

بالتعاون مع مركز الملك عبد الله لخدمة اللغة العربية نظم قسم اللغة العربية بكلية آداب جامعة الملك سعود الأحد 12 ربيع الأول ندوة بعنوان: آليات الإفادة الوطنية من الإستراتيجيات الدولية في خدمة اللغات.

وفي الندوة قدم د. محمد الغبان ورقة عن التخطيط اللغوي للكيان الصهيوني لدعم العبرية في التاريخ الحديث، وقال: "تنقسم فترة اللغة العبرية الحديثة إلى ثلاث فترات بحسب تاريخ الاستيطان الإسرائيلي في أرض فلسطين:

ـ منذ بداية الاستيطان عام 1882م وحتى نهاية الحكم العثماني 1917م.

ـ منذ بداية حكومة الانتداب البريطاني وحتى قيام دولة الاحتلال عام 1948م.

ـ منذ قيام دولة الاحتلال وحتى اليوم".

ورأى الغبان أنه على الرغم من قصر هذه الفترة من الناحية التاريخية فإن العبرية مرت خلال هذه المراحل بتغييرات جوهرية. واعتبر الغبان إحياء اللغة العبرية التي كانت شبه ميتة أكبر إنجاز حققه الكيان الصهيوني في هذا العصر.

وأضاف: "إن عملية إحياء اللغة العبرية تنقسم إلى قسمين: إحياء العبرية كلغة كتابة متطورة، والثاني إحياء العبرية كلغة حديث لكافة اليهود".

مؤكدًا أن الجهود التي بذلت في هذا السياق كانت جهودًا مؤسسية وفردية. وأشار إلى اختلاف الباحثين حول بدء سياسة الكيان الصهيوني في التخطيط اللغوي لإحياء العبرية.

وعزا الغبان إحياء العبرية كلغة حديث إلى هجرة اليهود لفلسطين وإصرار الصهاينة على جعل العبرية لغة حديث، مشيرًا في هذا السياق إلى نجاح الصهاينة في إعادة العبرية لتكون لغة حية لملايين الناس. وعلى الصعيد الفردي أشار الغبان إلى اليعيزر بن يهودا الذي يعده اليهود أبا اللغة العبرية الحديثة ومحيها ودوره في إحياء العبرية.

من جانبه، قدم الدكتور حاتم عبيد ورقة بعنوان السياسة اللغوية الفرنسية بين رهان الوحدة والتعدد، وألمح عبيد إلى محور هذا العام الذي حددته اليونسكو "تعزيز انتشار اللغة العربية" وقال: "هذا المحور هو واحد من الأهداف التي يسعى القائمون على التخطيط اللغوي إلى تحقيقها، فضلًا عن أهداف أخرى كثيرة، نذكر من بينها الإصلاح اللغوي، معايرة اللغة، صيانة اللغة، توحيد المصطلحات، تحديث المعاجم...".

ورأى عبيد أن عنوان الندوة "آليات الإفادة الوطنية من الإستراتيجيات الدولية في خدمة اللغات يحمل إشارات مهمة "من أبرزها تلك الدعوة الضمنية الموجهة إلينا إلى أن ننفتح ـ عندما نفكر في السبل الممكنة لخدمة لغتنا العربية ـ على تجارب الآخرين والسياسات التي نهجوها في خدمة لغاتهم". وأشار عبيد إلى العلاقة بين التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية، وأن بينهما ترابطًا وتكاملًا، "فالتخطيط اللغوي إجراء تنفيذي لما تتضمنه السياسة اللغوية من تصورات عامة وأطر نظرية شاملة".

نشأة اللغة الفرنسية:

وقال عبيد إن اللغة الفرنسية انحدرت ـ إلى جانب لغات أخرى كالإيطالية والبرتغالية والإسبانية ـ من اللغة اللاتينية؛ ويطلق على الجزء الجنوبي من أميركا بأميركا اللاتينية لانتشار البرتغالية والإسبانية فيها.

وقال عبيد: "كان هناك لاتينية (عامية) يتحدث بها عامة الناس ولاتينية (كلاسيكية) لغة الأدب ولغة النخبة. في القرن التاسع للميلاد بدأ يتسع الخرق بين اللاتينية واللغات العامية، وفي هذه الحقبة (ما بين ق 9 و11م) حدث انفصال اللغات الرومانية (languesromanes) عن اللاتينية. والرأي المرجح أن اللاتينية العامية هي حلقة الوصل وهي التي أدت إلى ميلاد الفرنسية.

الفرنسية في العصر الوسيط:

وأشار عبيد أن التعايش ظل قائمًا بين اللاتينية والفرنسية إلى حدود (ق 14م)، وكانت الأحكام في بداية الأمر تحرر باللغتين "وكان هناك اعتقاد سائد في ميدان القانون يرى أن كل عمل تشريعي يجب أن يتخذ طابعًا مقدّسًا لا تستطيع أن تضفيه إلا اللاتينية؛ باعتبارها لغة رجال الدين الأثيرة...".

وكان لظهور نصوص نثرية محررة بالفرنسية في ق 13م ما يغري رجال القانون لاستعمال هذه اللغة. إلى ذلك أسهم الأدب المكتوب بالفرنسية في نموها وتقعيدها. و "يعرف هذا الطور بالعصر الأدبي الذي يبدأ بالقرن 11م. وكان رجال الدين وقتئذٍ يُنتجون أدبًا دينيًّا داخل الأديرة، ومن ثم نشأت تقاليد أدبية مكتوبة بالفرنسية القديمة، ولكن لم تتوفر بعد قواعد ثابتة في تدوين هذه الفرنسية الشفوية".

ثم جاءت مرحلة تدوين الفرنسية. وكان الغلبة في عملية التدوين للهجة باريس، مكان إقامة الملك؛ الأمر الذي جعلها مركزًا للسلطة والتجارة وجعل "لهجة باريس لغة التخاطب والتجارة والسياسة والدين".

الفرنسية في عصر النهضة:

وتابع عبيد: "في عام 1490م يصدر شارل الثامن القرار الذي ينص على أن لغة التشريع هي اللغة الأم أو الفرنسية" وهو "القرار الذي عززه أمر ملكي أصدره لويس 12 عام 1510 يأمر بأن تحرر محاضر الجلسات والمحاكم إما باللسان العامي أو بلغة البلد الفرنسية؛ فإن حررت بلغة أخرى فلن تكون سارية المفعول، ولا قيمة لها" وفي 1531م ثبت فرانسوا الأول هذا الأمر. وفي ق 17 أسست الأكاديمية (1635م) وأدت دورًا مهمًّا في تقعيد اللغة الفرنسية.

السياسة اللغوية والثورة الفرنسية:

أشار عبيد إلى ما بات يعرف بالسياسة الجاكوبية (سلطة الشعب) والتي دعت إلى تعميم اللغة الفرنسية، و"اشتدت قبضة هذه السياسة على اللغات المحلية الفترة المعروفة بسنوات الرعب... ففي هذه السنوات صدرت مراسيم وقوانين تهدف إلى إزاحة اللهجات من المشهد اللغوي مقابل تعميم الفرنسية" غير أن أغلب هذه القوانين عدلت بعد ذلك أو حذفت. كما ألغي فرض التعليم بالفرنسية وسمح باستعمال لغة مساعدة.

الفرنسية منالقرن19 وحتى النصف الثاني من القرن 20:

مع "نهاية القرن التاسع عشر بعد سقوط الإمبراطورية الثانية وصعود الجمهورية الثالثة تم تعميم الفرنسية في كامل التراب الفرنسي. وقام جيل فاري (...) باتخاذ إجراءات لإضعاف اللغات المحلية".

وفي النصف الأول من القرن العشرين (زمن الاحتلال الألماني 1940 ـ 1944) كان هناك اتجاه لإحياء الشعور الوطني الفرنسي لدى الأطفال وجعلهم يتعلقون بمساقط رؤوسهم وصدر مرسوم باختيارية التعليم باللغات المحلية. وفي النصف الثاني صدر قانون يسمح بتعلم أربع لغات محلية وفي 1992م اعتمدت الفرنسية لغة رسمية للدولة بمادة دستورية. وفي 1999م وقعت فرنسا على الميثاق الأوروبي غير أنها رفضت تنقيحه خشية المساواة بين اللغة الفرنسية واللغات المحلية الأخرى. ولكن لاحقًا وتحديدًا في 2008م صوت المجلس الوطني لصالح جعل اللغات المحلية جزءًا من التراث الفرنسي.

السياسة اللغوية الاستعمارية الفرنسية:

يعتقد عبيد أن ثمة سعيًا لجعل اللغة الفرنسية اللغة المستعملة في كل فرنسا؛ إذ فرضت الفرنسية لغة للتعليم في كل المستعمرات.

إلى ذلك ثمة من يرى أن لفرنسا أهدافًا إمبريالية لغوية، وراء قناع الفرنكفونية فهذه لها أهداف ثقافية وسياسية، ويجمل عبيد أهداف الفرنكفونية "في أمرين: توسيع رقعة الفرنسية في العالم والدفاع عن مكانتها في المستعمرات القديمة بإفريقيا + مقاومة صعود نجم الإنجليزية".

ويقول عبيد إن "الفرنسية اليوم إحدى اللغات الرسمية المعتمدة في المنظمات العالمية ... وهي إلى جانب الإنجليزية والألمانية لغة العمل داخل المفوضية الأوربية، وهي واحدة من ثلاث لغات معتمدة في مكتب براءات الاختراع الأوروبي".

ويخلص إلى "أن المسألة اللغوية والسياسة اللغوية ليست من أمر الدولة وحدها وتتخذ في كثير من الأحيان شكل مبادرات تهدف إلى خدمة هذه اللغة أو تلك".

ويضيف: إن "المشهد اللغوي في المملكة العربية السعودية يختلف عن المشهد اللغوي في فرنسا وتاريخ العربية يختلف كل الاختلاف عن تاريخ الفرنسية، والمهم أن ننظر إلى المشهد اللغوي ههنا في تعدده وتنوعه، وبمختلف مكوناته التي امتزج فيها الأصيل التالد بالدخيل الوافد والتي استطاعت العربية ـ وسط هذا المشهد اللغوي المركب من تلك المكونات ـ أن تظل هي اللغة الرسمية، وهي عنوان الهوية في المملكة".

إلى ذلك تناول الدكتور صالح الزهراني ورقة عن التجربة الإسبانية في خدمة اللغة القشتالية نحو لغة كونية وعالمية، وقد كانت لغة محلية في الأصل. وأشار الزهراني إلى أن الوحدة الإسبانية السياسية التي حدثت بزواج ملك أراجون بملكة قشتالةأسهم على نحو ما في تصعيد القشتالية لتصبح لغة الدولة الرسمية، وفي العام 1492م وهو عام سقوط غرناطة آخر قلاع العرب والمسلمين في الأندلس بيد الصليبيين، صدر أول كتاب عن قواعد اللغة القشتالية، لتصبح اللغة الرسمية لمستعمرات أسبانيا فيما بعد.

وأضاف الزهراني: في العام 1713م أنشئت الأكاديمية الأسبانية للغة بجهود فردية، وفي العام التالي، وتحديدًا في عهد الملك فيليب الخامس (فيليبي بتعبير الأسبان) دخلت تحت الحماية الملكية، وجرى فرض قواعدها القشتالية في المؤسسات التعليمية في أسبانيا ومستعمراتها. ومع فقدان أسبانيا لمستعمراتها في القرن التاسع عشر نشأت في هذه المستعمرات أكاديميات للغة الأسبانية مرتبطة بالأكاديمية الملكية الأسبانية بمدريد. ولاحقًا جرى القضاء على الدعوات المناهضة للأسبانية في هذه المستعمرات. وحاولت أسبانيا توسيع انتشار اللغة وتعزيزها من خلال معهد سربانتس المنتشر حول العالم والذي ما زال يمارس نشاطه إلى اليوم. وفي هذا السياق استغلت أسبانيا عوامل كثيرة عززت بها ثقافتها ولغتها كالجوانب الاقتصادية والسياحة وحتى الجوانب الرياضية.

إلى ذلك صدر ما يسمى بالنحو الجديد وهي مراجعة لقواعد اللغة الأسبانية؛ بغية جعلها أكثر مرونة وقبولًا. وفي هذا الصدد جرى قبول بعض الأنماط النطقية التي كانت تعتبر من ضمن الأخطاء وأصبحت أكثر قبولًا وتسامحًا.

السياسة اللغوية العربية:

ويعتقد الزهراني أنه لا يمكن التعويل على سياسة لغوية عربية لغياب الباعث السياسي أو الحس السياسي وغياب المسؤولية القومية تجاه اللغة العربية، غير أن الزهراني يستدرك بالقول إنه يمكن التعويل على الإصلاح الأكاديمي والشراكات المجتمعية والمؤسسية لجعل العربية أكثر تخففًا من القيود القواعدية والأسلوبية التي قيدت اللغة العربية لتصبح أكثر مرونة وأكثر طواعية ومن ثم تصبح لغة عالمية متقدمة.

من جهتها تعتقد الدكتورة أمل الراشدأن الحديث عن الجهود المبذولة لخدمة اللغات يتجه أساسًا إلى الجهد المؤسسي، أما الجهود الفردية فلا يمكن في الغالب أن يعتد بها في هذا الإطار. ولكنها تستدرك بالقول: إن " أن بعض هذه الجهود الفردية هي جهود علمية جادة، وتسعى إلى إعادة النظر في الوضع اللغوي المعاصر ومراجعته. إلا أن بقاء هذه الجهود خارج إطار تنظيم عمل مؤسسي يجعلها رغم قيمتها أعمالاً ـ لن أقول هامشية ـ إنما بعيدة عن موضع الاستفادة منها، ومع الوقت قد تكون منسية".

وتعتقد الراشد أن "مشكلة اللغة العربية الرئيسة هي أنها من اللغات التي تعاني من وجود تيار لا يستهان به مقاوم للتغيير، وينتج عن تلك المقاومة ذلك الرفض الذي نجده أمام عمليات الإصلاح اللغوي التي لا تسير في خط متسق معه".

وتشير الراشد إلى ما بات يعرف بمفهوم الإصلاح اللغوي الذي يعني "العودة باللغة إلى النقاء، وتطهيرها من كل دخيل عليها، وحمايتها من الأنماط التي تنحرف بها عن شكلها الصحيح، كما يعني أيضًاتجديد اللغة، من خلال تحديثها أو تكييفها لتكون أكثر مواكبة للعصر... وتشير أن الجهود العربية في هذا السياق تتوزع بين فريقين فريق يحاول معالجة هذه المشكلة من خلال منظوره، وآخر يعتمد على تحقيق هدف الحماية.

وتؤكد الراشد أن هناك ثلاث وسائل للتخطيط اللغوي، وتمر بثلاث مراحل، هي:

تهيئة وضع العربية، وتهيئة متن العربية وإعادة تأسيس الوعي.

شهدت الندوة عددًا من المداخلات والمناقشات وأدارها  الدكتور عبد الرحمن الفهد.