Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

طلاب كلية العمارة والتخطيط يتلقون برنامجاً تدريبياً عن الحفاظ والتأهيل للمساجد التاريخية في جدة

كتب: م. علي عجلان

يعد التراث العمراني والمعماري ثروة وطنية كبيرة لا تقل أهمية عن غيرها من الثروات المادية، وسجلاً شاهداً على حضارة الأجيال والعصور المتعاقبة ورمزاً لتقاليدها الأصيلة وتاريخها العريق، ويعبر عن القدرات التي وصل إليها الإنسان في التغلب على بيئته المحيطة، والتعامل معها بشكل ملائم ومناسب.

ولما للمساجد من أهمية تاريخية، فهي المحور الأساسي الذي تقوم عليه التجمعات العمرانية، وتشكل حياة الناس ومحور التقائهم واجتماعهم، فهي عنصر عمراني مهم وجزء أصيل لا ينفصل او ينفك عن حياتنا كمسلمين.

ومن هذا المنطلق، وإنطلاقاً من التعاون القائم بين المركز العالمي للأبحاث والتاريخ والفنون ومؤسسة التراث الخيرية التي يرأس مجلس أمنائها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز –رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني- ، ولحرص سموه على التراث المعماري والعمراني الذي يعد أمراً في غاية الأهمية، لما يمثله من سجل لذاكرة التاريخ بما يحتويه من قيم حضارية ثقافية وتاريخية وعمرانية، أُقيم برنامج تدريبي تطبيقي عن الحفاظ والتأهيل العمراني للمساجد التاريخية في منطقة جدة التاريخية خلال فترة إجازة الربيع لعدد من طلاب كليات العمارة والتخطيط بالجامعات السعودية، وبدعم سخي من إدارة الجامعه ممثلة بمعالي المدير الأستاذ الدكتور بدران العمر شارك (14) طالباً من طلاب كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود في هذا البرنامج.

وخلال البرنامج الذي استمر لمدة ثمانية أيام متتالية، تلقى الطلاب خلال الأيام الثلاثة الأولى محاضرات نظرية ألقاها متخصصين عالميين في الحفاظ والتأهيل العمراني، تم فيها شرح المفاهيم الأساسية المتعلقة بالترميم وإعادة التأهيل، و كيفية إعداد الدراسات الخاصة بالمباني التراثية والتاريخية وكيفية توثيقها، وعمل البرامج اللازمة لصيانتها وإعادة تأهيلها والحفاظ عليها وكيفية استخدامها بعد الترميم،وكذلك كيفية إعداد فريق العمل الذى يقوم بالدراسة ووضع خطة الترميم والصيانة .

ولأهمية استخدام ثورة المعلومات لحماية المباني التراثية والتاريخية وديمومة أصالتها تم في اليوم الرابع تنفيذ ورشة عمل تطبيقية للطلاب عن كيفية استخدام الوسائط الرقمية في التوثيق المعماري للمباني التاريخية بواسطة الماسح ثلاثي الأبعاد(3D Scanner)  وهي أكثر التقنيات الحديثة دقة تستخدم ضوء الليزر لمسح المباني بشكل مباشر دون تماس معها،  بالإضافة إلى قدرتها على توثيق الزخارف والأماكن التي من الصعب الوصول إليها، وتعتمد هذه الطريقة على جهاز يقوم بتشكيل سحابة معلومات (Data Cloud) تتكون هذه السحابة من جزئيات صغيرة عندما تصطدم بأجزاء المبنى فإننها تسجل إحداثيات (XYZ) باستخدام برامج كمبيوتر معينة يتم قراءة هذه الإحداثيات ورسم المبنى كاملاً من الداخل والخارج وانتاج نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد للمبنى، يتم من خلاله تشخيص و معرفة المشاكل المعمارية أو الإنشائية ومعرفة مظاهر التدهور في المبنى، وقد قام الطلاب بالتطبيق على الجهاز ومعرفة طريقة عمله. وفي اليوم الخامس قام الطلاب بعمل زيارات ميدانية برفقة أمين عام مؤسسة التراث ورئيس بلدية جدة التاريخية المهندس سامي نوار ومجموعة من المختصين للمساجد التاريخية بمنطقة جدة التاريخية، ومنها مسجد المعمار ومسجد الحنفي ومسجد الشافعي، تعرف الطلاب خلالها على تاريخ تلك المساجد وطرق ومواد البناء التي بنيت بها تلك المساجد والأفكار المعمارية والإنشائية لها، وتم الشرح من قبل المختصين للخطوات المناسبة للكيفية التي بها تم ترميم مسجد المعمار والعوامل التي سببت في صيانته، وكذلك الخطوات التى يقوم بها المهندس المعماري لإجراء المعاينة وكيفية إعداد التقارير وتشخيص المشاكل كالتصدعات وغيرها وأساليب معالجتها بواسطة فنيين متخصصين وتوضيح أهمية المتابعة والإشراف على عملية الترميم بواسطة مهندس متخصص.

وفي الجانب العملي والتطبيقي عمل الطلاب المشاركون على مسجدي الحنفي ومسجد الخليفة الجليل عثمان بن عفان – رضى الله عنه- كمشروع تطبيقي، قام الطلاب فيه بإعداد دراسات تفصيلية معمارية للمسجدين، تم من خلالها تشخيص المشاكل المعمارية والإنشائية وتصنيفها ومعرفة أسبابها، ومن ثم كيفية الوصول لحلها وقدم الطلاب العديد من المقترحات لتلك المشاكل نالت استسحان مشرفي الدورة المحليين والعالميين.

وخلال الدورة تفضل  صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحه والتراث الوطني مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة التراث الخيرية بالقيام بزيارة كريمة للطلاب، حيث أبدى‏ سموه إعجابه بالدورة وبتفاعل الطلاب وحرصهم على حضور مثل هذه الدورات التدريبية وقال سموه في حديث ودي مع الطلاب أن المملكة  تولي اهتماماً بالغاً  بالتراث العمراني والمساجد التاريخية والمحافظة عليها بشكل خاص، مشيراً إلى أن  مؤسسة التراث الخيرية التي تشرف سموه  بتأسيسها منذ 25 عام  ومن خلال إمكانياتها المحدودة  وبشراكتها مع عدد من الجهات عملت وتعمل جاهدة على العناية بالمساجد التاريخية. وأضاف أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حريصة كل الحرص على العناية بالمساجد التاريخية، وقد أسست مسار رئيس لمواقع التاريخ الإسلامي، وأسست أيضاً برنامجاً خاصاً للعناية بالمساجد التاريخية ضمن مركز التراث العمراني الوطني، وقال سموه إن الهدف الأساسي من ترميم المساجد التاريخية ليس معماري تصميمي بحت وإنما هو إعادة الحياة لتلك المساجد وتهيئتها بشكل جيد للعبادة التي هي أهم وظائفها.

وأضاف أن المملكة ولله الحمد تملك كنوزاً من التراث تحافظ عليه بقدر سعيها إلى الانطلاق للمستقبل، بما يحفظ للتراث وجوده وللمباني هويتها ويعزز قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، مشدداً في الوقت ذاته على جميع المؤسسات الوطنية وخاصة التعليمية كالجامعات الدفع بتعريف الطلاب بشكل عام وطلاب كليات العمارة بتراثهم المعماري والعمراني  والعمل على إجراء البحوث ومشروعات التصميم المعماري والعمراني التي تكون موضوعات التراث العمراني نقطة الارتكاز فيها، ، داعياً إلى أهمية ربط الطلاب بتاريخهم وزرع حبهم لتراثهم،  وهذا من شأنه سيعمق الاعتزاز بالهوية الوطنية وتجسير العلاقة بين الماضي والحاضر لصناعة مستقبل مشرق.

وفي هذا الصدد تحدث سعادة الدكتور عبدالله بن أحمد الثابت – عميد كلية العمارة والتخطيط – بقوله أنه مما لا شك فيه أن دراسة المباني التاريخية والحفاظ عليها وترميمها له أهمية كبرى ولها قيمة مادية وتاريخية للمجتمع، مستشهداً بأن دول العالم المتقدمة تعنى بحفظ المنشآت المعمارية التاريخية وتبذل الجهود للحفاظ عليها من التدهور والاندثار، مبيناً أن أن ترميم المبنى التاريخي ليس مجرد حمايته من الإندثار والتدهور بقدر ما هو حفظ لتراث الإنسانية، ولا أعلى من ذلك إلا المساجد التاريخية التي تعد ثروة والعناية بها عناية بالتاريخ والإنسان.

 وأضاف سعادة د. الثابت أن الحفاظ على التراث يُعتبر من الأولويات في التعليم المعماري والعمراني، خاصة في ظل العولمة ونمط الحياة المتسارع حيث أصبحت المهمة صعبة لحد ما على المهتمين بالتراث العمراني، مشيداً بأمير التراث صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان ودوره الكبير والملموس في  إظهار التراث العمراني للمملكة – حرسها الله- وكذلك على المستوى الإقليمي لدول الخليج العربي وأيضاً دول العالم الإسلامي، وذلك من خلال رئاسته للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وتأسيسه لمؤسسة التراث الخيرية، مثمناً لسموه تبنيه لإعداد مثل هذا البرنامج التدريبي الهام لطلاب كليات العمارة بالجامعات السعودية، الذي أسهم في اكسابهم المهارات والمبادئ اساسية في الحفاظ والتأهيل العمراني بجانبيه النظري والتطبيقي، وساعد في تطوير إمكاناتهم ومهاراتهم في عملية الحفاظ والتأهيل ودعم قدراتهم في الإلمام بها.

كما ثمن عالياً دعم معالي مدير الجامعة لمشاركة أبنائه الطلاب في مثل هذه البرامج النوعية، حرصاً من معاليه لكل ما يكسب خريجي الكلية للمهارات والمعارف والتي تعود بالنفع لوطنهم عند خروجهم لسوق العمل.

وقد رافق الطلاب أثناء الدورة سعادة الأستاذ الدكتور جمال عليان أستاذ العمارة التقليدية بالكلية وأشرف عليها المهندس علي عجلان رئيس وحدة التدريب والاتصال الخارجي بالكلية.

 وقد عبر الطلاب المشاركون في الدورة عن شكرهم وتقديرهم لصاحب السمو الملكي أمير التراث الأمير سلطان بن سلمان لتبينه مثل هذه الدورات ولمعالي مدير الجامعه الأستاذ الدكتور بدران العمر لدعمه مشاركتهم و لسعادة الدكتور عبدالله الثابت عميد الكلية لمتابعته وتسهيل كافة الاجراءات للالتحاق بها، كما عبر الطلاب عن  ارتياحهم الكبير بما تلقوه من مفاهيم نظرية وتطبيقية في الحفاظ والتأهيل العمراني للمساجد التاريخية متمنيين ان تستمر مثل هذه الدورات في المستقبل.