أنت هنا

الإعلاميّة = عبد الله قنيوي
احتضن قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة صباح يوم الثلاثاء 13/5/1439هـ ندوة بعنوان (المضمر النسقي في لامية ابن الوردي) وقد تمّ تنظيم هذه الفعالية الثقافية بالتعاون بين وحدة أبحاث الشعريات والندوة العلمية بالقسم. حيث كان ضيفاً على القسم الأستاذ الدكتور محمد الصفراني أستاذ الأدب العربي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة طيبة بالمدينة المنورة. افتتح اللقاء الدكتور صالح معيض الغامدي الذي شكر الندوة العلمية ووحدة أبحاث الشعريات. مرحباً بالضيف الكريم.
ثم افتتح الدكتور الصفراني محاضرته بشكره الوافر لقسم اللغة العربية والندوة العلميّة ووحدة أبحاث الشعريات على هذه الاستضافة الكريمة. وابتدأ الحديث عن الورقة التي بين يديه بسؤال هامٍّ، وهو: هل شعر الوعظ والحكمة يمكن أن نطلق عليه شعراً بمقاييس المؤسسة النقدية؟ وأشار إلى أن اختياره لقصيدة ابن الوردي كونها ذات بُعد جماهيري وجمالي! وأبرز تساؤل يمكن الوقوف أمامه هنا، ما النسق الثقافي المضمر في الخطاب الشعري؟ وما المحاور التي تكشف عن هذا النسق؟ لقد ألمح د.الصفراني إلى أن اللامية حظيت بشهرة واسعة فصاحبها قاضٍ وعالم معروف. وقد تداولها المعلمون والمربون من جيل لآخر. والأنساق المضمرة في هذا النص الشعري كما يلي:
*أولاً: ثنائية الوعظ والمضمر النسقي*:
فللخطاب الوعظي ثلاث بنيات (واعظ – موعوظ – عظة) فالواعظ يأخذ المقام الأعلى والموعوظ يكون في المرتبة الأدنى. وللخطاب هنا سلطة وعظية تصدر من الأعلى إلى الأدنى مع وجود عديد من المتعاليات الخطابية في العظة الموجهه في أي صورة كانت! فقد ابتدأ الشاعر قصيدته بالوصية للمريد باجتناب الآثام والمحرمات. وهو بذلك يُخرج ذاته عن هذه الدائرة المشبوهة، ولكن النسق يبدأ في الكشف عن نفسه حين ينزلق خطاب الواعظ إلى أشياء ربما لاتخطر على بال الموعوظ، فيكشف النسق عن هذه المآثم المتصورة أو الكامنة في العقلية الواعظة أو الثقافة العامة. 
*ثانياً: تضخّم الأنا الواعظة*:
فخطاب الوعظ خطاب استعلائي بامتياز فمن يجعل نفسه واعظاً لا محالة يعتبر نفسه على درجة عالية من الكمال! وهذا قد يتضخم حتى يصل إلى استعلاء الأنا الواعظة فتتيهُ على الموعوظ/الآخر كبراً من غير أن تشعر، فالشاعر هنا بعد النصائح والوصايا يقول:
أَنَــــا لاَ أَخَــتَــارُ تَـقـبِـيــلَ يـــــدٍ**
قَطْعُـهـا أَجـمْـلُ مِــنْ تِـلـكَ القُـبـلْ
أيُّــهْــا الْـعَـائِــبُ قُــولــي عـبـثــاً**
إِنَّ طـيـبَ الْـــوردِ مـــؤذٍ لِلـجُـعـلْ
 أَنــا مِـثـلُ الـمْـاءِ سَـهَــلٌ سَـائــغٌ**
وَمــتــى ُســخِّـــنَ آذى وقَــتَـــلْ
 أَنــا كَالخـيَـزور صَـعــبٌ كـسُّــرهُ **
وَهُـوْ لَـينٌ كَيــفَمـا شِئـتَ انفتَـلْ
وما تلبث الأنا الواعظة أن تتضخم حتى تنفجر في صورة الضمير المنفصل (أنا) في هذه الأبيات مفترضة أن مساراتها سليمة، ومسار غيرها مخاطرة ومخاتلة.
*ثالثاً: تحقيرُ الموعوظ*:
ينطوي الخطاب الوعظي على تسلطية تضع الآخر/الموعوظ في موضع الذنب وترفع الأنا الواعظة إلى موضع نقي ليتسنى لها النصح ويتمثل ذلك في أفعال الأمر وصيغ النهي الكثيرة التي وردت في النص الشعري، وهذه الأوامر والنواهي تقتضي بحسب ذهنية الواعظ النظر إلى حقارة وأثمية الموعوظ فهو محل المأثم وموطن الجهالة. ويقتضي مقابل ذلك سلامة الواعظ مما ينهى عنه. وهذا نسق ثقافي رسخ ثقافة تسلطية ظلت تولد أنساقها المضمرة في الخطاب الديني.
*رابعاً: التفاخر بالنسب*:
والتفاخر بالنسب إرث جاهلي نهى عنه الإسلام وأعلى من الفخر بالتقوى والعمل الصالح. وكون هذا النسق الثقافي وهو الافتخار بالنسب يظهر في خطاب جاهلي أو شعبي فهو أقل خطراً من ظهوره في خطاب ديني أو وعظي، فابن الوردي يقول:
لاَ تَـقُـلْ أَصْـلــي وَفَـصـلـي أَبـــداً**
إِنمـا أصْـلُ الفَتـى مَـا قَــدْ حَـصَـلْ
قَــدْ يـسُـودُ الـمـرءُ مِــنْ دُونِ أبٍ**
وَبِحُسـنِ السّــَبْـكِ قـدْ يُنفى الزّغل
ولأن النص الذي بين أيدينا يحمل التناقض عن طريق كشف النسق عن خفاياه فهو يعود فيقول:
غَـيــرَ أَنـــي أَحــمــدُ اللهَ عَــلــى**
نَـسـبـي إِذْ بِـأَبِــي بِـكَــرِ اتَّـصــلْ
فالشاعر في قصيدة واحدة يتأرجح بين الوصية بعدم الفخر بالأنساب ثم الفخر بنسبه الرفيع الذي يتصل بأبي بكر الصديق.
*خامساً: الواعظ الزاهد الواعظ الجشع*:
فمن طبيعة الواعظ أن يزهد فيما حوله من حطام الدنيا ومتاعها وإذا ورد خطاب الزهد في نص أدبي فينبغي أن تبدأ رحلة البحث عن النسق في هذا النص وأنماط ظهوره. فهو يقول:
اطـــرحِ الـدُّنـيـا فَـمــنْ عَـادْاتـهِـا**
تخُفِـضُ العالـيْ وتُعلـي مَـنْ سَفَـل
عَيـشـةُ الـرَّاغـبِ فــي تحَصِيلِـهـا**
عَيـشَـةُ الـجْـاهـلِ فِـيـهْـا أَوْ أقْـــلْ
ويعود النسق فيظهر في أبيات أخرى فالشاعر قاضي منبج، وهو ذو سلطة رفيعة ولديه من الدنيا بسطتها. فيفصح النسق عن نفسه ويكون بذلك الواعظ في موضع الموعوظ مع أنه يبدو من خلال ظاهر النص ناصحاً موصياً واعظاً.
ثم فتح باب المداخلات لأساتذة القسم ولطلاب الدراسات العليا. حضر اللقاء رئيس قسم اللغة العربية الدكتور معجب العدواني وعدد من أساتذة قسم اللغة العربية، وفي ختام اللقاء تم تكريم الضيف بشهادة تقديرية وفاء وعرفاناًلمشاركته بحضور الدكتور محمد منور رئيس وحدة أبحاث الشعريات والدكتور صالح الزهراني مقرر الندوة العلمية.